من هم أهل الله وخاصته؟

                  من هم أهل الله وخاصته؟


القرآن كلام من له الكمال المطلق، كلام العالمِ بكل شيء والخالق والمالك والمدبر لكل شيء، فهو كامل شامل حق مبين: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42].

القرآن هو أشرف كتاب أنزله الله جل جلاله، نزل به أشرف ملك ألا هو جبريل عليه السلام، وفي أشرف شهر ألا هو شهر رمضان، وفي أشرف ليلة ألا هي ليلة القدر، وفي أشرف بقعة على الأرض، ألا هي مكةُ المكرمة، وبأشرف لغة اللغة العربية، وعلى أشرف خلق الله، ألا هو النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى خير أمة هي أمة خاتم النبيين صلوات ربي وسلامه عليه، قال الحق سبحانه: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 192 - 195].

الله جل جلاله أنزل القرآن يا أمة القرآن ليكون آية وبرهانًا وليكون منهاجا للأمة وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، وهداية للناس أجمعين.

القرآن عصمة لمن اعتصم به، ونجاة لمن تمسك به، ونور لمن استنار به، وحرز من النار لمن عمل به واتبعه.

القرآن من عمل به أحبه الله، ومن اعتز به أعزه الله، ومن أكرمه أكرمه الله.

القرآن يا أمة القرآن تكفل الله جل جلاله لمن اتبعه حق اتباعه، ألا يضلَّ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، قال جل جلاله: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123].

ومن أعرض عنه وتغافل عنه ولم يرفع به رأساً ولم يجعله في الأمور أساساً، فإنها الخيبة والخسارة والخِذلان، قال رب العزة جل جلاله: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].

على كل من تمسك بحبل الله المتين ألا هو القرآن وقام به وتلاه حق تلاوته، عليه أن يعلم أنه الربح الذي ليس بعده ربح، والفوز الذي ليس بعده فوز، والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.. عليه أن يعلم أنه استحق الرفعة والشرف والإعزاز والتكريم من العلي الكريم.

وكل من جافى القرآن وتنكر له وأعرض عنه، عليه أن يعلم أنه سقط قدره وانحطت منزلته من عند العلي القدير حتى ولو كان ذا نسب وشرف وجاه وسلطان في أهله وعشيرته.

إن المكانة والمنزلة التي جعلها الله جل جلاله وأعدها لأهل القرآن الذين يشتغلون به تلاوة وتدبرا وتعلماً وتعليماً وعملاً ودعوة وتطبيقاً لهي من أسمى المنازل، بل أرقى وأعلى وأشرفُ ما يمكن أن ينالَه المسلم بعمل من الأعمال التي يرجوا بها القرب من الله عزوجل.

وحسبي معاشر المؤمنين والمؤمنات في هذا المقام، وفي هذه الدقائق المعدودة أن أشير إلى بعضٍ من هذه المنازل وذلك الشرف وتلك الكرامة التي يتبوأها صاحب القرآن عند الله جل جلاله.

فأمة الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم من أوصافها أنها خير وأفضل أمة أخرجت للناس، بل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يعلم خيرية أمته وأفضليتها على سائر الأمم، ويعلم خيريةَ وأفضليةَ الصالحين والعابدين من أمته، يجعل هذه الخيرية والأفضلية مخصوصة بالمرتبط والمتمسك بالقرآن، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، وفي لفظ آخر: (أن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه).

صاحب القرآن لمكانته وقدره عند رب العالمين مُقدم في أعظم الأمور وأشرفها، مقدم في الصلاة التي هي عماد الدين وأعظمُ العبادات، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله).

وروى مسلم، أن عمر رضي الله عنه سأل عامله على أهل مكة فقال له:من خلفت على أهل مكة قال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال رجل من الموالي، فقال عمر كالمتعجب أو المستنكر، استخلفت عليهم مولى! فقال: إنه قارئ لكتاب الله، وإنه عالمٌ بالفرائض، فقال عمر: أما إن نبيك صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين). يعني:(يرفع بهذا الكتاب): أي بقراءته والعمل به (ويضع به): أي بالإعراض عنه وترك العمل بمقتضاه.

بل صاحب القرآن لشرفه ورفعته مُقدم على غيره حتى في الدفن بعد الموت، أخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ثم يقول:(أيّهم أكثر أخذاً للقرآن، فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، ويقول: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة).

فانظر إلى مقامك وقدرك يا صاحب القرآن، فمهما كنت موصوفاً بنقص عند الناس، فأنت المقدّم المشرَّف حيا كنت أم ميتا، وكتاب الله يذهب نقصَك ويرفع قدرَك ومقامَك عند رب الناس.

الناس يوم القيامة حينما تنشق عنه القبور ويبعثون، يكونون في خوف وفزع من هول ذلك اليوم العظيم، ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 34 - 37]، ﴿ يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ﴾ [لقمان: 33] ولكن النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم يبشر أهل القرآن فيقول:(اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه).

القرآن يشفع في صاحبه الذي كان حريصا عليه في الدنيا مرتبطا ومتمسكا به، الذي كان يسعى دائماً إلى أن يكون عظيم الصلة به، يشفع في صاحبه يوم لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا، ففي الحديث بسند حسن عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: (إنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ يَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُك، فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا صَاحِبُك الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُك في الهواجر وَأَسْهَرْت لَيْلَك، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّك الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، قَالَ: فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ، لَا يَقُومُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ لَهُمَا: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا)...فالأجر متعدٍ إلى غير قارئ القرآن العامل به، متعدٍ إلى من كان سببا في حفظ القرآن وتعلمه، وهنا الوالدان.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:(يَجِيءُ الْقُرْانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ حَلِّهِ فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عنهُ، فَيَرْضَى عنهُ، فَيُقال لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ ايَةٍ حَسَنَةً).

وبإسناد حسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(يقال لقارئ القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها).

وأهل القرآن معاشر أمة القرآن، لهم بشارة خاصة من البشير المبعوث رحمة للعالمين صلوات ربي وسلامه عليه، ففي الحديث الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن لله أهلينَ من الناس، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته).

وحتى ننال هذا الشرف، ونكونَ من أهل القرآن الذين جعلهم الله أهلَه وخاصته، ونال القرب منه سبحانه، لا بد من مصاحبة القرآن والإكثار من تلاوته والمداومة على ذلك وفهم آياته ومعانيه وتعلمه وتعليمه والاستماع إليه وحفظه و العمل به.


أضهر التعليقات

fb