المسنون… بين ديننا وحضارتهم موضوع

المسنون… بين ديننا وحضارتهم







قال تعالى: {وقضى ربك ألاتعبدوا إلا إياه وبالوالدينإحساناً، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقللهما قولاً كريماً، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانيصغيرا}.

في زمن المادة وفي هذه الغابة التي يأكل القوي فيها الضعيف تحتاجالبشرية إلى من يذكرها بهذه المعاني، بعد أن جعلت للمسن يوماً أسمته (اليوم العالميلرعاية المسنين) وهو اليوم الأول من تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام. ماذا قدمتالحضارة المادية للمسنين من حقوق وتراحم وتعاطف؟ العناية بالحيوانات تتفوق أحياناًعلى رعاية المسنين في تلك الحضارة- لاسيما المرضى والعجزة منهم-
 
 انتهت صلاحيتهم ولميعد لديهم مايقدمونه لهذه الحضارة، لذلك أُهملوا ورُمي بهم في زوايا قديمة بانتظارأن يأخذهم الموت، وهذا ماجعل النائب الديمقراطي الأمريكي كلودبيير يقول: إن وضعالمسنين في أمريكا عار وطني مرعب، وذلك في معرض تعليقه على تقرير أعدته لجنة بمجلسالنواب الأمريكي بعد دراسة استمرت ست سنوات وجاء فيه: إن أكثر من مليون مسن ومسنةتجاوزت أعمارهم (65) عاماً يتعرضون لإساءات خطيرة، فيضربون ويعذبون عذاباً جسدياًونفسياً، وتسرق أموالهم من قبل أهلهم، كما أن هذه الإساءات ليست مقتصرة على طبقةاجتماعية معينة، بل تحدث في كل طبقات المجتمع على حد سواء، وفي المدن والقرىوالأرياف. ومن أبشع ما ورد في هذا التقرير أن امرأة قامت بتقييد أبيها البالغ منالعمر (81) عاماً بسلسلة وربطته في الحمام، وأخذت تعذبه لعدة أيام!!!
 

أكدالتقرير أن الإساءة للمسنين تأخذ عدة أشكال، منها الضرب والإهمال والحرمان منالطعام والشراب والاغتصاب والقتل أحياناً، ويعلق النائب كلودبيير قائلاً: لاأحديدرك حتى الآن أبعاد هذه المشكلة المرعبة. والحقيقة أنه لاأحد يريد الاعتراف بمايجري، لقد تجاهلنا المشكلة لأنها مخيفة لدرجة تمنعنا من الاعتراف بوجودها. ولم نكننريد أن نصدق أن مثل هذه الأشياء يمكن أن تحدث في دولة متحضرة.
وتضيف الدكتورةسوزان ستايتمتر أستاذة الدراسات العائلية بجامعة دملاوير: اعتدنا طوال تاريخنا علىالإساءة للمسنين، ويمكن للمرء أن يجد حالات كثيرة في سجلات المحاكم في القرنينالسابع عشر والثامن عشر، إننا نميل إلى العنف البدني، وقد أصبح هذا جزءاً ثابتاً منطبيعة عائلات كثيرة تسيء بالعنف للمسنين، وأصبح إهمال المسنين وعدم الرفق بهم أورعايتهم أو حتى نجدتهم من الأمور الشائعة في المجتمعات الأوربية، إلى حد أن بعضهميعدهم من الأشياء المستهلكة في مجتمع يتجدد إنتاجه كل صباح. وهذه حادثة تدل علىذلك: فقد دخل لصان منزل امرأة عجوز في الثانية والثمانين من العمر من منطقة (ميدلسكس) ببريطانيا في ساعات الصباح الأولى، ولدى دخولهما المنزل صرخت العجوزطالبة النجدة من نافذة منزلها حيث أبصرت رجلاً يسير في الشارع وينظر إليها، إلا أنهاعتذر عن تقديم مساعدة لها خشية تأخره عن موعد الحافلة!!!
 

في المقابل لم تعرفالبشرية من صور الرحمة ماعرفته في ظل الإسلام، وهي رحمة من فيض الرحمن يستظل بها كلالناس والمسنون أولى الناس بها.
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «ليس منا منلايرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا». ومن خلال سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام عرفالصحابة والتابعون صوراً عظيمة في هذا المجال، فقد روى البيهقي عن أنس قال: «منالسنة أن توقر العالم وذا الشيبة والسلطان والوالد، ومن الجفاء أن يدعو الرجل والدهباسمه».
 

وقد رغب الرسول عليه الصلاة والسلام بإكرام الشيوخ والإحسان إليهممبيناً أن الجزاء من جنس العمل، وإن طال الزمان، فعن أنس رضي الله عنه قال: قالرسول الله عليه الصلاة والسلام: «ماأكرم شاب شيخاً لسّنه إلا قيّض الله له من يكرمهعند سنه».
 
وإذا كان التوقير للكبير والإحسان إليه مطلوباً، فإنه أشد وجوباً معالوالدين، لأنهما كانا سبب وجود الابن في الحياة بعد الله، ولاتقتصر الرعاية علىالطعام والشراب واللباس، بل إنهما أشد حاجة إلى الكلمة الطيبة واحترام الرأيوإشعارهما بأنهما لم يزالا موضع نصح وإرشاد وتوجيه. قال الله تعالى: {واعبدوا اللهولاتشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذيالقربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وماملكت أيمانكم}. هذا هو دينناوتلك هي حضارتهم.

أضهر التعليقات

fb